كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفراء في بيان معنى القراءة الأولى: انظر ماذا ترى من صبرك، وجزعك.
قال الزجاج: لم يقل هذا أحد غيره.
وإنما قال العلماء ماذا تشير، أي: ما تريك نفسك من الرأي، وقال أبو عبيد: إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة، وكذا قال أبو حاتم، وغلطهما النحاس وقال: هذا يكون من رؤية العين، وغيرها، ومعنى القراءة الثانية ظاهر واضح، وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله، وإلا فرؤيا الأنبياء وحي، وامتثالها لازم لهم متحتم عليهم.
{قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ} أي: ما تؤمر به مما أوحي إليك من ذبحي، و{ما} موصولة، وقيل: مصدرية على معنى: افعل أمرك، والمصدر مضاف إلى المفعول، وتسمية المأمور به أمرًا، والأوّل أولى {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} على ما ابتلاني به من الذبح، والتعليق بمشيئة الله سبحانه تبركًا بها منه {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي: استسلما لأمر الله، وأطاعاه، وانقادا له.
قرأ الجمهور {أسلمنا} وقرأ عليّ، وابن مسعود، وابن عباس {فلما سلما} أي: فوضا أمرهما إلى الله، وروي عن ابن عباس: أنه قرأ {استسلما} قال قتادة: أسلم أحدهما نفسه لله، وأسلم الآخر ابنه، يقال: سلم لأمر الله، وأسلم، واستسلم بمعنى واحد.
وقد اختلف في جواب {لما} ماذا هو؟ فقيل: هو محذوف، وتقديره: ظهر صبرهما، أو أجزلنا لهما أجرهما، أو فديناه بكبش، هكذا قال البصريون.
وقال الكوفيون: الجواب هو: {ناديناه} والواو زائدة مقحمة، واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعاني، ولا يجوز أن تزاد، وقال الأخفش: الجواب {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} والواو زائدة، وروي هذا أيضًا عن الكوفيين، واعتراض النحاس يرد عليه كما ورد على الأوّل {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} التلّ: الصرع والدفع، يقال: تللت الرجل: إذا ألقيته، والمراد أنه أضجعه: على جبينه على الأرض، والجبين: أحد جانبي الجبهة، فللوجه جبينان، والجبهة بينهما، وقيل: كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرّقة لقلبه.
واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه، فقيل: هو مكة في المقام.
وقيل: في المنحر بمنى عند الجمار.
وقيل: على الصخرة التي بأصل جبل ثبير، وقيل: بالشام.
{وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} أي: عزمت على الإتيان بما رأيته.
قال المفسرون: لما أضجعه للذبح نودي من الجبل يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا، وجعله مصدّقًا بمجرد العزم، وإن لم يذبحه؛ لأنه قد أتى بما أمكنه، والمطلوب استسلامهما لأمر الله، وقد فعلا.
قال القرطبي: قال أهل السنّة: إن نفس الذبح لم يقع، ولو وقع لم يتصور رفعه، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل؛ لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء.
قال: ومعنى: {صَدَّقْتَ الرؤيا} فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك، هذا أصح ما قيل في هذا الباب.
وقالت طائفة: ليس هذا مما ينسخ بوجه؛ لأن معنى ذبحت الشيء: قطعته، وقد كان إبراهيم يأخذ السكين، فيمرّ بها على حلقه، فتنقلب كما قال مجاهد.
وقال بعضهم: كان كلما قطع جزءًا التأم، وقالت طائفة منهم السدّي: ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس، فجعل إبراهيم يحزّ، ولا يقطع شيئًا.
وقال بعضهم: إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج، وإنهار الدم، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح، فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي، فلما أتى بما أمر به من الإضجاع قيل له: {قد صَدَّقْتَ الرؤيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} أي: نجزيهم بالخلاص من الشدائد، والسلامة من المحن، فالجملة كالتعليل لما قبلها.
قال مقاتل: جزاه الله سبحانه بإحسانه في طاعته، العفو عن ذبح ابنه.
{إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} البلاء، والابتلاء: الاختبار، والمعنى: إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده.
وقيل: المعنى: إن هذا لهو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح، وفداه بالكبش، يقال: أبلاه الله إبلاءً وبلاء: إذا أنعم عليه والأوّلى أولى، وإن كان الابتلاء يستعمل في الاختبار بالخير، والشرّ، ومنه: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، ولكن المناسب للمقام المعنى الأول.
قال أبو زيد: هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ولده.
قال: وهذا من البلاء المكروه {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الذبح: اسم المذبوح، وجمعه ذبوح كالطحن اسم للمطحون، وبالفتح المصدر، ومعنى عظيم: عظيم القدر، ولم يرد عظم الجثة، وإنما عظم قدره؛ لأنه فدى به الذبيح، أو لأنه متقبل.
قال النحاس: العظيم في اللغة يكون للكبير، وللشريف، وأهل التفسير على أنه ها هنا للشريف، أي: المتقبل.
قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفًا.
وقال الحسن: ما فدي إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه.
قال الزجاج: قد قيل: إنه فدي بوعل، والوعل: التيس الجبلي، ومعنى الآية: جعلنا الذبح فداء له، وخلصناه به من الذبح {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخرين سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} أي: في الأمم الآخرة التي تأتي بعده، والسلام: الثناء الجميل.
وقال عكرمة: سلام منا، وقيل: سلامة من الآفات، والكلام في هذا كالكلام في قوله: {سلام على نُوحٍ في العالمين} وقد تقدم في هذه السورة بيان معناه، ووجه إعرابه.
{كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} أي: مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} أي: الذين أعطوا العبودية حقها، ورسخوا في الإيمان بالله، وتوحيده: {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا مّنَ الصالحين} أي: بشرنا إبراهيم بولد يولد له، ويصير نبيًا بعد أن يبلغ السن التي يتأهل فيها لذلك، وانتصاب {نبيًا} على الحال، وهي: حال مقدرة.
قال الزجاج: إن كان الذبيح إسحاق، فيظهر كونها مقدرة، والأولى أن يقال: إن من فسر الذبيح بإسحاق جعل البشارة.
هنا خاصة بنبوته.
وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه، ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة، فإن وجود ذي الحال ليس بشرط، وإنما الشرط المقارنة للفعل، و{مّنَ الصالحين} كما يجوز أن يكون صفة لنبيًا، يجوز أن يكون حالًا من الضمير المستتر فيه، فتكون أحوالًا متداخلة {وباركنا عَلَيْهِ وعلى إسحاق} أي: على إبراهيم، وعلى إسحاق بمرادفة نعم الله عليهما.
وقيل: كثرنا ولدهما، وقيل: إن الضمير في {عليه} يعود إلى إسماعيل، وهو بعيد، وقيل: المراد بالمباركة هنا: هي: الثناء الحسن عليهما إلى يوم القيامة {وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وظالم لّنَفْسِهِ مُبِينٌ} أي: محسن في عمله بالإيمان، والتوحيد، وظالم لها بالكفر، والمعاصي لما ذكر سبحانه البركة في الذرية بيّن أن كون الذرية من هذا العنصر الشريف، والمحتد المبارك ليس بنافع لهم، بل إنما ينتفعون بأعمالهم لآبائهم، فإن اليهود، والنصارى، وإن كانوا من ولد إسحاق، فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الضلال البين، والعرب، وإن كانوا من ولد إسماعيل، فقد ماتوا على الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} يقول: لم يبق إلا ذرية نوح {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخرين} يقول: يذكر بخير.
وأخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} قال: حام، وسام، ويافث.
وأخرج ابن سعد، وأحمد، والترمذي وحسنه، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن سمرة أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم» والحديثان هما من سماع الحسن عن سمرة، وفي سماعه منه مقال معروف، وقد قيل: إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط، وما عداه فبواسطة.
قال ابن عبد البرّ: وقد روي عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم، والخطيب في تالي التلخيص عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولد نوح ثلاثة: سام، وحام، ويافث، فولد سام العرب، وفارس، والروم، والخير فيهم، وولد يافث يأجوج، ومأجوج، والترك، والصقالبة، ولا خير فيهم، وولد حام القبط، والبربر، والسودان» وهو من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عنه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبراهيم} قال: من أهل دينه.
وأخرج عبد بن حميد عنه في قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} قال: مريض.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: مطعون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قال: يخرجون.
وأخرج ابن المنذر عنه أيضًا في قوله: {وَقَالَ إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} قال: حين هاجر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} قال: العمل.
وأخرج الطبراني عنه أيضًا قال: لما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه: إذا ذبحتني، فاعتزل لا أضطرب، فينتضح عليك دمي، فشده، فلما أخذ الشفرة، وأراد أن يذبحه نودي من خلفه {أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} وأخرج أحمد عنه أيضًا مرفوعًا مثله مع زيادة.
وأخرجه عنه موقوفًا.
وأخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضًا في قوله: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبراهيم} قال: من شيعة نوح على منهاجه، وسننه {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} قال: شب حتى بلغ سعيه سعي أبيه في العمل {فَلَمَّا أَسْلَمَا} سلما ما أمر به {وَتَلَّهُ} وضع وجهه إلى الأرض.
فقال: لا تذبحني، وأنت تنظر عسى أن ترحمني، فلا تجهز علي.
وأن أجزع، فأنكص، فأمتنع منك.
ولكن اربط يدي إلى رقبتي، ثم ضع وجهي إلى الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه، فلم تصل المدية حتى نودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، فأمسك يده، قوله: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} بكبش عظيم متقبل.
وزعم ابن عباس: أن الذبيح إسماعيل.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رؤيا الأنبياء وحي» وأخرجه البخاري، وغيره من قول عبيد بن عمير، واستدل بهذه الآية.
وأخرج ابن جرير، والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: المفدى إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق، وكذبت اليهود.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق الشعبي، عن ابن عباس قال: الذبيح: إسماعيل.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق مجاهد، ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: الذبيح: إسماعيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك، وأبي الطفيل، عن ابن عباس قال: الذبيح: إسماعيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قال: إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش.
وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال: رأيت أبا هريرة يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: إن الذي أمر بذبحه: إسماعيل.
وأخرج البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال نبي الله داود: يا رب أسمع الناس يقولون: رب إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فاجعلني رابعًا، قال: إن إبراهيم ألقي في النار، فصبر من أجلي، وإن إسحاق جاد لي بنفسه، وإن يعقوب غاب عنه يوسف، وتلك بلية لم تنلك» وفي إسناده الحسن بن دينار البصري، وهو متروك عن علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا نحوه.
وأخرج الدارقطني في الأفراد، والديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذبيح إسحاق» وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذبيح إسحاق» وأخرج ابن مردويه، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن مردويه عن بهار، وكانت له صحبة، قال: إسحاق ذبيح الله.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال: «يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله» وأخرج عبد الرزاق، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: الذبيح: إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح: إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الذبيح: إسحاق.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قال: أكبه على وجهه.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال: صرعه للذبح.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قال: كبش أعين أبيض أقرن قد ربط بسمرة في أصل ثبير.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفًا.
وأخرج عبد بن حميد عنه قال: فدي إسماعيل بكبشين أملحين أقرنين أعينين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس: أن رجلًا قال: نذرت لأنحر نفسي، فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ثم تلا {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فأمره بكبش، فذبحه.
وأخرج الطبراني من طريق أخرى عنه نحوه.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا في قوله: {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا مّنَ الصالحين} قال: إنما بشر به نبيًا حين فداه الله من الذبح، ولم تكن البشارة بالنبوّة عند مولده.
وبما سقناه من الاختلاف في الذبيح هل هو إسحاق، أو إسماعيل؟ وما استدل به المختلفون في ذلك تعلم أنه لم يكن في المقام ما يوجب القطع، أو يتعين رجحانه تعينًا ظاهرًا، وقد رجح كل قول طائفة من المحققين المنصفين كابن جرير، فإنه رجح أنه إسحاق، ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض مما سقناه ها هنا، وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل، وجعل الأدلة على ذلك أقوى، وأصح، وليس الأمر كما ذكره، فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح إسحاق لم تكن فوقها، ولا أرجح منها، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء.
وما روي عنه، فهو إما موضوع، أو ضعيف جدًّا.
ولم يبق إلا مجرّد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، وهي محتملة، ولا تقوم حجة بمحتمل، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته، وفيه السلامة من الترجيح، بلا مرجح، ومن الاستدلال بما هو محتمل. اهـ.